فصل: (القيامة: الآيات 14- 15):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في ذكر آيات الأحكام في السورة الكريمة:

قال إلكيا هراسي:
ومن سورة القيامة:
قوله تعالى: {بلِ الإنسان على نفسه بصِيرة}، الآية/ 14.
يدل على قبول شهادة الإنسان على نفسه. اهـ.

.من مجازات القرآن في السورة الكريمة:

.قال ابن المثنى:

سورة القيامة (75):
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ
{لا أُقْسِمُ بِيوْمِ الْقِيامةِ ولا أُقْسِمُ بِالنّفْسِ اللّوّامةِ} (1- 2) مجازها أقسم بيوم القيامة وأقسم بالنفس اللوّامة..
{فإِذا برق الْبصرُ (7)} إذا شقّ البصر وقال الكلابىّ:
لمّا أتانى ابن صبيح راغبا ** أعطيته عيسا صهابا فبرق

[920].
{وخسف الْقمرُ (8)} وكسف القمر واحد، ذهب ضوءه..
{وجُمِع الشّمْسُ والْقمرُ} (9) لتذكير القمر..
{لا وزر} (11) لا جبل، قال ابن الذّئبة:
لعمرك ما للفتى من وزر ** من الموت ينجيه والكبر

[921].
{بلِ الإنسان على نفسه بصِيرة} (14) جاءت هذه الهاء في صفة الذكر كما جاءت في راوية وعلّامة وطاغية.
{معاذِيرهُ} (15) ما اعتذر به من شيء..
{فإِذا قرآناهُ فاتّبِعْ قرآنه} (18) اتبع جمعه فإذا قرآناه: جمعناه، وهى من قول العرب: ما قرأت هذه المرأة سلى قط. قال عمرو بن كلثوم:
لم تقرأ جنينا

{وُجُوهٌ يوْمئِذٍ ناضِرةٌ} (22) يقال: نضر اللّه وجهك وقد نضّر وجهك..
{فاقِرةٌ} (25) الفاقرة الداهية وهو الوسم الذي يفقر على الأنف..
{بلغتِ التّراقِي} (26) صارت النفس من تراقيه..
{وقِيل منْ راقٍ} (27) من يرقى..
{والْتفّتِ السّاقُ بِالسّاقِ} (29) مثل شمرت عن ساقها..
{فلا صدّق ولا صلّى} (31) لم يصدّق في الدنيا ولم يصلّ، (لا) هاهنا في موضع (لم)، قال طرفة:
وأىّ خيس لا أفأنا نهابه ** وأسيافنا يقطرن من كبشه دما

[922].
{يتمطّى} (33) جاء يمشى المطيطا وهو أن يلقى بيديه ويتكفّأ..
{أوْلى لك فأوْلى} (35) توعّد..
{أنْ يُتْرك سُدى} (36) لا ينهى ولا يؤمر، يقال: أسديت حاجتى تركتها. اهـ.

.قال الشريف الرضي:

ومن السورة التي يذكر فيها القيامة:

.[القيامة: الآيات 14- 15]:

{بلِ الإنسان على نفسه بصِيرة (14) ولوْ ألْقى معاذِيرهُ (15)}.
قوله تعالى: {بلِ الإنسان على نفسه بصِيرة ولوْ ألْقى معاذِيرهُ} [14، 15] وهذه استعارة. والمراد- واللّه أعلم- أن الإنسان حجة على نفسه في يوم القيامة، وشاهد عليها بما اقترفت من ذنب، واحتملت من وزر. وإن ألقى معاذيره. أي هو وإن تعلّق بالمعاذير ولفّق الأقاويل شاهد على نفسه بما يوجب العقاب، ويجر النكال.
وقال الكسائي: المعنى: بل على نفس الإنسان بصِيرة. فجاء على التقديم والتأخير.
أي عليه من الملائكة رقيب يرقبه، وحافظ يحفظ عمله. وقال أبو عبيدة: جاءت هذه الهاء في بصِيرة، والموصوف بها مذكّر، كما جاءت في علّامة، ونسّابة، وراوية، وطاغية.
والمراد بها المبالغة في المعنى الذي وقع الوصف به.
ووجه المبالغة في صفة الملك المحصى لأعمال المكلّف بأنه بصِيرة أنّ ذلك الملك يتجاوز علم الظواهر إلى علم السرائر، بما جعل اللّه تعالى له على ذلك من الأدلة، وأعطاه من أسباب المعرفة. فهو للعلة التي ذكرناها يوفى على كل رقيب حافظ، ومراع ملاحظ.
والتأويل الآخر يخرج به الكلام عن حيّز الاستعارة. وهو أن تكون المعاذير هاهنا من أسماء السّتور. لأن أهل اليمن يسمّون السّتر بالمعذار. فكأن المراد أن الإنسان رقيب على نفسه، وعالم بمستسر غيبه، فيما يفارقه من معصية، أو يقاربه من ريبة، وإن ألقى ستوره مستخفيا، وأغلق أبوابه متواريا.

.[القيامة: الآيات 29- 30]:

{والْتفّتِ السّاقُ بِالسّاقِ (29) إِلى ربِّك يوْمئِذٍ الْمساقُ (30)}.
وقوله سبحانه: {والْتفّتِ السّاقُ بِالسّاقِ إِلى ربِّك يوْمئِذٍ الْمساقُ} [29، 30] وهذه استعارة على أكثر الأقوال. والمراد بها- واللّه أعلم- صفة الشّدّتين المجتمعتين على المرء من فراق الدنيا، ولقاء أسباب الآخرة. وقد ذكرنا فيما تقدم مذهب العرب في العبارة عن الأمر الشديد، والخطب الفظيع، بذكر الكشف عن الساق، والقيام عن ساق. فلا فائدة في تكرير ذلك وإعادته.
وقد يجوز أن يكون السّاق هاهنا جمع ساقة كما قالوا: حاجة وحاج. وغاية وغاى.
والساقة: هم الذين يكونون في أعقاب الناس يحفّزونهم على السّير، وهذا في صفة أحوال الآخرة وسوق الملائكة السابقين بالكثرة، حتى يلتفّ بعضهم ببعض من شديد الحفز، وعنيف السير والسّوق. ومما يقوّى ذلك قوله تعالى: {إِلى ربِّك يوْمئِذٍ الْمساقُ}.
والوجه الأول أقرب، وهذا الوجه أغرب. اهـ.

.فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة القيامة:
المؤمن إذا وقع في خطأ ران عليه هم ثقيل، وضاقت عليه الأرض بما رحبت. ذلك أن الإيمان باعث حثيث على التسامى، وزاجر موجع عن الإسفاف. والذى يلوم نفسه على ما بدر منه لا يألف النقائص، بل سرعان ما يتجاوزها إلى عالم أزكى. وقد أقسم الله بالنفس اللوامة، لما وقر فيها من إيمان بالله واليوم الآخر. أما النفوس والمجتمعات التي لا تعرف الله ولا تنتظر لقاءه، فهى لا تكترث برذيلة ولا توجل من يوم الحساب لأنه في نظرها وهم! ويقول في ذلك الزهاوى: ولا أبذل موهوما بمحسوس! ومطلع سورة القيامة يشير إلى هذه الأحوال {لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه}. إن الله الذي يبلى الأجسام قادر على أن يعيدها من أخرى بالملامح نفسها وبآلاف الخطوط المطبوعة على الأصابع لا يتشابه فيها اثنان على ظهر الأرض..!! سيحيا الناس مرة أخرى كى يلقوا جزاء ما قدموا {ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر} وعيب الأولين والآخرين أن إحساسهم بيوم الجزاء ميت أو ضعيف ولو عقلوا لكان لهم موقف آخر. وفى سورة القيامة وصف صادق لهذا اليوم وما يسبقه ويعقبه. ولكن هذا الوصف اعترضه نصح للرسول الكريم كى يخفف من استعجاله لتلقى الوحى! وهو استعجال مفهوم البواعث. كيف يستوعب امرؤ هذا الوحى السماوى ولا يخرم منه حرفا ثم يذهب ليتلوه على الناس كما أنزل؟ أي دماغ ذرى يقدر على ذلك؟ لكن الله طمأنه {إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرآناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه}. وبهذا التعهد الإلهى وصل إلينا القرآن كله. وهناك قبل يوم الجزاء الأخير نهاية لا تخطئ إنسانا أبدا، الموت! لماذا يغفل عنه البشر؟
{كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق وظن أنه الفراق والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق}. إن سكرة الحياة تحجب العيون عن النظر إلى هذه النهاية المحتومة، فلم هذا العمى؟ {أيحسب الإنسان أن يترك سدى}؟ إن مبدع هذه الحياة والمالى بنشاطها القارات الخمس لا يفعل ذلك عبثا، لابد أن يقف البشر أمام خالقهم ليسائلهم عما فعلوا في هذا الوجود الأول وهل جعلوا منه مهادا لوجودهم الأخير؟ الغريب أن العلم البشرى تقدم كثيرا في نصف القرن الأخير كما لم يتقدم في تاريخ الحياة كلها، ومع ذلك فعلمه بالله ضحل، وكذلك استعداده للقائه!. اهـ.

.في رياض آيات السورة الكريمة:

.فصل في أسرار ترتيب السورة:

قال السيوطي:
سورة القيامة:
أقول: لما قال سبحانه في آخر المدثر {كلا بل لا يخافون الآخِرة} بعد ذكر الجنة والنار، وكان عدم خوفهم إياها لإنكارهم البعث، ذكر في هذه السورة الدليل على البعث، ووصف يوم القيامة، وأهواله، وأحواله، ثم ذكر ما قبل ذلك من مبدأ الخلق فذكرت الأحوال في هذه السورة على عكس ما هي في الواقع. اهـ.

.تفسير الآيات (1- 6):

قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيوْمِ الْقِيامةِ (1) ولا أُقْسِمُ بِالنّفْسِ اللّوّامةِ (2) أيحسب الإنسان ألّنْ نجْمع عظامه (3) بلى قادِرِين على أنْ نُسوِّي بنانهُ (4) بلْ يريد الإنسان ليفجر أمامهُ (5) يسْألُ أيّان يوْمُ الْقِيامةِ (6)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
(بسم الله) الذي شرف رسوله صلى الله عليه وسلم فأعجز الخلق بكتابه بما له من الجلال (الرحمن) الذي عم بنعمتي الإيجاد والبيان أهل الهدى والضلال (الرحيم) الذي خص أهل العناية بالسداد في الأقوال والأفعال.
لما ذكر سبحانه الآخرة أول سورة المدثر وخوف منها بالتعبير بالناقور وما تبعه، ثم أعاد أمرها آخرها، وذكر التقوى التي هي أعظم أسباب النجاح فيها والمغفرة التي هي الدواء الأعظم لها، وكان الكفار يكذبون بها، وكان سبحانه قد أقام عليها من الأدلة من أول القرآن إلى هنا تارة مع الإقسام وأخرى مع الخلو عنه ما صيرها في حد البديهيات، وكانت العادة قاضية بأن المخبر إذا كذبه السامع حلف على ما أخبره به، وكان الإقسام مع تحقق العناد لا يفيد، أشار سبحانه وتعالى إلى أن الأمر قد صار غنيا عن الإقسام لما له من الظهور الذي لا ينكره إلا معاند، فقال مشيرا إلى تعظيمها والتهويل في أمرها بذكرها وإثبات أمرها بعدم الإقسام أو تأكيده: {لا أقسم} أي لا أوقع الإقسام أو أوقعه مؤكدا {بيوم القيامة} على وجود يوم القيامة أو بسبب وجوده لأن الأمر غني فيه عن ذلك وعلى القول بأنه قسم هو مؤكد بالنافي، ودخوله في التأكيد سائغ بل شائع في كلامهم جدا، وجاز القسم بالشيء على وجوده إشارة إلى أنه في العظمة في الدرجة العليا كما يقول الإنسان: والله إن الله موجود، أي لا شيء أحلف به على وجوده- يا أيها المنكر- أعظم منه حتى أحلف به ولابد لي من الحلف لأجل إنكارك فأنا أحلف به عليه، فالمعنى حينئذ أنه لا شيء أدل على عظمة الله من هذين الشيئين فلذا أوقع القسم بهما، وسر التأكيد ب (لا)- كما قال الرازي في اللوامع، إن الإثبات من طريق النفي آكد كأنه رد على المنكر أولا ثم أثبت القسم ثانيا، فإن الجمع بين النفي والإثبات دليل الحصر.
ولما كان من المقرر المعلوم الذي هو في أقصى غايات الظهور أن من طلبه الملك طلب عرض وحساب وثواب وعقاب يلوم نفسه في كونه لم يبالغ في العمل بما يرضي الملك والإخلاص في موالاته، والتحيز إليه ومصافاته.
وكان أكثر لوم النفس واقعا في ذلك اليوم، وكان إدراكها للوم المرتب على إدراك الأمور الكلية والجزئية ومعرفة الخير والشر، والتمييز بينهما من أعظم الدلائل على تمام قدرة الخالق وكمال عظمته الموجب لإيجاد ذلك اليوم لإظهار عظمته وحكمه وحكمته قال: {ولا أقسم بالنفس} على حد ما مضى في أن الباء صلة أو سبب {اللوامة} أي التي تلوم صاحبها وهي خيرة وشريرة، فالخيرة تكون سببا للنجاة فيه والأخرى تكون سببا للهلاك فيه، فإن لامت على الشر أو على التهاون بالخير أنجت، وإن لامت على ضد ذلك أهلكت، وكيفما كانت لابد أن تلوم، وهي بين الأمارة والمطمئنة، فما غلب عليها منهما كانت في حيزه، قال الرازي في اللوامع: فالمطمئنة التي انقادت لأوامر الله، والأمارة المخالفة لها المتبعة للهوى، واللوامة هي المجاهدة، فتارة لها اليد وتارة عليها، وهي نفس الإنسان خاصة لأنها بين طوري الخير والشر والكمال والنقصان والصعود والهبوط والطاعة والعصيان، قال الإمام السهروردي في الباب السادس والخمسين من معارفه: وهي نفس واحدة لها صفات متغايرة، فالملائكة في درجة الكمال، والحيوانات الأخر في دركة النقصان.
ولهذا جمع بين القيامة وبين اللوامة، لأن الثواب والعقاب للآدمي دون الملائكة والحيوانات العجم، واللوامة يشتد لومها في ذلك اليوم على عدم الخير أو عدم الزيادة منه، لا أقسم على ذلك بهذا الذي هو من أدل الأمور على عظمته سبحانه فإن الأمر في ذلك غني عن القسم.
ولما كان التقدير قطعا بما يرشد إليه جميع ما مضى جوابا للقسم: إنك والله صادق في إنذارك فلابد أن ينقر في الناقور بالنفخ في الصور.
قال بانيا عليه بعد الإشارة إلى تعظيم أمر القيامة بما دل عليه حذف الجواب من أنها في وضوح الأمر وتحتم الكون على حالة لا تخفى على أحد منكرا على من يشك فيها بعد ذلك: {أيحسب الإنسان} أي هذا النوع الذي يقبل على الأنس بنفسه والنظر في عطفه والسرور بحسبه، وأسند الفعل إلى النوع كله لأن أكثرهم كذلك لغلبة الحظوظ على العقل إلا من عصم الله {أن} أي أنا.
ولما كان فيهم من يبالغ في الإنكار، عبر أيضا بأداة التأكيد فقال: {لن نجمع} أي على ما لنا من العظمة {عظامه} أي التي هي قالب بدنه وعماده من الأرض فيعيدها كما كانت بعد تمزقها وتفتتها وافتراقها وبلاها وانمحاقها، وقد سدت المخففة مسد مفعولي {يحسب} المقدرين ب (يحسبنا) غير جامعين.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما تقدم قوله مخبرا عن أهل الكفر {وكنا نكذب بيوم الدين} [المدثر: 46] ثم تقدم في صدر السورة قوله تعالى: {فإذا نقر في الناقور} [المدثر: 8] إلى قوله: {غير يسير} [المدثر: 9] والمراد به يوم القيامة، والوعيد به لمن ذكر بعد في قوله: {ذرني ومن خلقت وحيدا} [المدثر: 11] الآيات ومن كان على حاله في تكذيب وقوع ذلك اليوم، ثم تكرر ذكره عند جواب من سئل بقوله: {ما سلككم في سقر} [المدثر: 42] فبسط القول في هذه السورة في بيان ذكر ذلك اليوم وأهواله، وأشير إلى حال من كذب به في قوله تعالى: {يسأل أيان يوم القيامة} [القيامة: 6] وفي قوله تعالى: {أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه} [القيامة: 3] ثم أتبع ذلك بذكر أحوال الخلائق في ذلك اليوم {ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر} [القيامة: 13] انتهى.
ولما أسند الحسبان إلى النوع لأن منهم من يقول: لا نبعث لأننا نتفتت وننمحق، قال مجيبا له: {بلى} أي لنجمعن عظامه وجمع أجزائه لأنا قدرنا على تفصيل عظامه وتفتيتها من بعد ارتتاقها حال كونها نطفة واحدة لأن كل من قدر على التفصيل قدر على الجمع والتوصيل حال كوننا {قادرين} أي لما لنا من العظمة {على أن}.
ولما كانت تسوية الصغير أصعب، قال: {نسوي بنانه} أي أصابعه أو سلامياته وهي عظامه الصغار التي في يديه ورجليه كل منها طول إصبع وأقل، خصها لأنها أطرافه وآخر ما يتم به خلقه بأن نجمع بعضها إلى بعض على ما كانت عليه قبل الموت سواء، فالكبار بطريق الأولى لأنها أبين، ولا فرق بيبن تسويتنا ذلك من النطفة وتسويتنا له من التراب، وهي لا تكون مسواة وهي قالب البدن إلا بتسوية ما عليه من لباس اللحم والعصب والجلد كما يعهدها العاهد، فتسوية البنان كناية عن تسوية جميع البنيان كما لو قيل لك: هل تقدر على تأليف هذا الحنظل، فقلت: نعم، وعلى تأليف الخردل، مع ما يفهم من تخصيصها من التنبيه على ما فيها من بديع الصنع المتأثر عنه ما لها من لطائف المنافع، أو أن نسويها الآن فنجمعها على ما كانت عليه حال كونها نطفة من الاجتماع قبل فتقها وتفريقها حتى تكون كخف البعير، فإن القادر على تفصيل الأنامل حتى تتهيأ للأعمال اللطيفة قادر على جمعها، فتزول عنها تلك المنفعة.
ومن قدر على تفصيل الماء بعد اختلاطه وجمعه بعد انفصاله قادر على جمع التراب بعد افتراقه، وكيفما كان فهو تنبيه على التأمل في لطف تفصيل الأنامل وبديع صنعها الموجب للقطع بأن صانعها قادر على كل ما يريد، قال في القاموس: البنان: الأصابع أو أطرافها.
والسلامى- وزن حبارى: عظام صغار طول إصبع أو أقل في اليد والرجل.
ولما تقدم ما أشار إلى أن القيامة في غاية الظهور، أضرب عن هذا الإنكار فقال بانيا على ما تقديره: إنه لا يحسب عدم ذلك لأنه من الظهور في حد لا يحتاج إلى كبير تأمل فلو مشى مع عقله عرف الحق: {بل يريد} أي يوقع الإرادة {الإنسان} أظهر في موضع الإضمار للتصريح بالتعميم لمقتضى الطبع الموجب له عدم الفكر في الآخر مع شدة ظهورها لأنه معني بشهواته فلا نجاة إلا بعصمة الله تعالى، وحذف مفعول {يريد} إشارة إلى أن كل ما يريده بمقضتى طبعه وشهواته خارج عن طوره فهو معاقب عليه لأنه عبد، والعبد يجب عليه أن يكون مراقبا للسيد، لا يريد إلا مايأمره به، فإذا أراد ما أمره به لم تنسب إليه إرادة بل الإرادة للسيد لا له.
ولما كان ذلك، وكانت إرادته الخارجة الخارجة عن الأمر معصية، قال معللا: {ليفجر أمامه} أي يقع منه الإرادة ليقع منه الفجور في المستقبل من زمانه بأن يقضي شهواته ويمضي راكبا رأسه في هواه، ونفسه الكاذبة تورد عليه الأماني وتوسع له في الأمل وتطمعه في العفو من دون عمل، قال الحسن: المؤمن ما تراه إلا يلوم نفسه ويقول: ما أردت بكلامي؟ وما أردت بأكلي؟ والفاجر يمضي قدما لا يحاسب نفسه ولا يعاتبها.
ويجوز أن يعود الضمير على الله تعالى ليكون المعنى: ليعمل الفجور بين يدي الله تعالى وبمرأى منه ومسمع ويطمع في أن لا يؤاخذه بذلك أو يجازيه بفجوره، قال في القاموس: والفجر: الانبعاث في المعاصي والزنا كالفجور.
ولما كان عريقا في التلبس بهذا الوصف، أنتج له الاستهزاء بهذا الخطب الأعظم فترجم ذلك بقوله: {يسئل} أي سؤال استهزاء واستبعاد، ويوضع موضع مفعول يسأل جملة اسمية من خبر مقدم ومبتدأ مؤخر فقال: {أيان} أي أيّ وقت يكون {يوم القيامة}. اهـ.